السوبر تخلف : حين يصبح المثقف إرهابيا ً
صفحة 1 من اصل 1
السوبر تخلف : حين يصبح المثقف إرهابيا ً
السوبر تخلف : حين يصبح المثقف إرهابيا ً
حسن عجمي
نحيا اليوم في زمن السوبر تخلف. ثمة فرق أساسي بين التخلف والسوبر تخلف. الشعب المتخلف هو الشعب الذي لا ينتج ما هو مفيد للبشرية والعالم، بينما الشعب السوبر متخلف هو الشعب الذي يطوّر التخلف من خلال استخدام العلم من أجل التجهيل. وهذا ما نقوم به. فمثلا ً، كل قبيلة مذهبية أو طائفية لها مدارسها وجامعاتها و وسائل إعلامها التي تهدف إلى معاداة ومحاربة القبائل المذهبية والطائفية الأخرى. هكذا نستخدم العلم وما يتضمن من تكنولوجيا من أجل نشر الجهل والتخلف.
للسوبر تخلف تجسدات عديدة ومختلفة منها أن معظم نصوصنا وخطاباتنا المعاصرة تعارض مبادئ المنطق والتفكير السليم فتقع في التناقض والدور كتعريف الماء بالماء. كما أن معظم ما نكتب غير معتمد على أية أسس علمية. هكذا نحن سوبر متخلفون لأننا نرفض العلم والمنطق ونستغل العلوم من أجل نشر الجهل. ومن تجليات سوبر تخلفنا أن معظم عباراتنا أمست خالية من معنى لأنها تجمع ما لا يُجمَع من مفاهيم كعبارة " العدد سبعة متزوج ". من هنا، أصبح أدبنا من نثر وشعر مجرد لعب على الكلمات. كما يتجسد سوبر تخلفنا في أننا محددون سلفا ً َفي معتقداتنا ومشاعرنا وتصرفاتنا. فما نعتقد ونشعر ونفعل مجرد تكرار لمعتقدات ومشاعر وأفعال أجدادنا. هكذا سجننا التاريخ في قبوره، وتحكمت فينا اليقينيات الكاذبة.
يتجلى سوبر تخلفنا بوضوح في حقيقة أن معتقداتنا يقينيات بالنسبة إلينا ما يدفعنا إلى التعصب لها فرفض الآخر المختلف عنا. هنا يكمن سبب فشلنا في صياغة مجتمعات و دول و ديموقراطيات. فعندما تكون معتقداتنا يقينيات بالنسبة لنا سوف نتعصب لها وبذلك نرفض الآخر المختلف عنا ما يؤدي لا محالة إلى فشلنا في بناء مجتمع و ديموقراطية علما ً بأن قبول الآخر أساس المجتمع والديموقراطية. والسبب الأساس وراء ذلك أننا لا نؤمن بالعلم ولا نشارك الحضارة في إنشاء العلوم وتطويرها. فالعلم عملية تصحيح مستمرة بحيث تستبدل النظريات العلمية بنظريات علمية أخرى عبر التاريخ، وبذلك في العلم لا توجد يقينيات. من هنا، وبما أننا اليوم نرفض العلم، إذن تغدو معتقداتنا يقينيات بالنسبة إلينا ما جعلنا نخسر المجتمع والحضارة. أما إذا قبلنا العلم وشاركنا في صياغة العلوم، فحينها سوف نتمكن من بناء مجتمع و ديموقراطية و حضارة لأنه لا يقينيات في العلم وبذلك من خلال قبول العلم لن تعصب لما نعتقد ما يسمح بقبول الآخر. هكذا العلم أساس المجتمع والديموقراطية. من هذا المنطلق، نعاني من دكتاتورياتنا بسبب رفضنا للعلم وعدم مشاركتنا في إنتاجه. فبما أن العلم أساس المجتمع والديموقراطية، وبما أننا نرفض العلم، إذن من المتوقع أن نخسر المجتمع والديموقراطية و أن تتحكم بنا الأنظمة الدكتاتورية.
بالإضافة إلى ذلك، نحن لا نشكّل مجتمعا ً، بل نحن مجرد قبائل متصارعة. وسبب ذلك أننا نحيا في عصر السوبر تخلف ما يفسّر لماذا تنشأ الصراعات والحروب الأهلية المتكررة في عالمنا العربي. وبما أننا فشلنا في بناء مجتمع عربي أو مجتمعات عربية، إذن من الطبيعي أن نفقد الإنسان لأنه لا يوجد إنسان خارج المجتمع. في حقبة السوبر تخلف لا يوجد إنسان عربي معاصر. والبرهان على ذلك هو التالي: الإنسان مجموعة حقوق كحق أن نكون أحراراً. ولكن الحقوق غير موجودة اليوم في عالمنا العربي. بذلك لا يوجد اليوم إنسان لدينا. هكذا خسرنا الإنسان تماما ً كما خسرنا المجتمع والحضارة ما يفسّر لماذا تسيطر علينا الدول الأجنبية وتغزونا.
في زمن السوبر تخلف أمسى التخلف هو القيمة الأعلى. يتمثل ذلك في أن الأكثر تخلفا ً
من بيننا هو الذي ينجح أكثر فيكتسب السلطات المعنوية والمادية. فالمطلوب هو أن نكون متخلفين. مثل ذلك أنه من المطلوب أن ننتمي إلى هذه القبيلة المناطقية أو المذهبية أو الطائفية والتنظير لها ضد القبائل الأخرى. وإن لم نفعل ذلك نغدو خارج مجتمعاتنا الكاذبة ونخسر أية إمكانية في أن نحصل على مورد إقتصادي. هكذا تعاقبنا قبائلنا إذا رفضنا الانتماء إليها، أي يعاقبنا سوبر تخلفنا إذا لم نشارك في تطويرالتخلف.
على هذا الأساس، أصبح المثقف العربي المعاصر إرهابيا ً. فالثقافة تحوّلت إلى أداة قمع في يد الطاغية الكبير أو الطاغية الصغير. مثل ذلك أننا نعتمد على أقوال وأفكار العلماء والفلاسفة كي نبرر وجود أنظمتنا الدكتاتورية وحروبنا الأهلية الدائمة. هكذا أمست الثقافة بين أيدينا وسيلة قمع في خدمة السوبر تخلف. وشارك ما يُدعى بالمثقف العربي المعاصر بقوة في تطوير التخلف وإعلاء رايات الجهل من خلال تقديم خطاب معارض للعلم والمنطق. لذا كان من الطبيعي أن يتجه هذا " المثقف " نحو محاربة المثقفين الآخرين الذين يتنافسون على لقب الأكثر تخلفا ً. فالمثقف أصبح إرهابيا ً في قتال المثقفين الآخرين فانقسمت ساحتنا الثقافية إلى عصابات ثقافية متناحرة. كما يتجلى إرهاب المثقف في إنتمائه إلى قبيلة طائفية أو مذهبية ودفاعه عنها ومعاداته للقبائل الطائفية والمذهبية الأخرى. هكذا يستغل " المثقف " ثقافته الكاذبة من أجل نشر الجهل والتخلف ما جعله يكتسب صفة السوبر متخلف. نحن إرهابيون صغار في زمن الإرهابيين الكبار.
حسن عجمي- *** عضو جديد *** مرحبا بك على منتديات العلوم الرياضية
- عدد الرسائل : 2
Localisation : لبنان
Emploi : كاتب
تاريخ التسجيل : 09/03/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى